سعاد امراة متزوجة تجاوزت عقدها الثالث، أم لطفلين الأول 6 سنوات والثاني سنتين ، تتكون أسرة سعاد من ام زوجها وابنائها وزوجها الذي يعمل في بيع المأكولات بساحة جامع الفنا ، في حين تعمل هي مربية في إحدى المؤسسات التعليمية الخاصة ، بعيدا عن مقر سكنى الأسرة، حيث تغيب عن البيت لفترة قد تتجاوز العشر ساعات بشكل متواصل. مما يجعل ابناءها في حرمان دائم من وجود الفعلي الام داخل البيت الشيء الذي تعوضه الجدة .
قبل الزواج كانت سعاد شخصية عانت الكثير خلال طفولتها بحكم كونها الوسطى بين اخواتها الخمسة ، خاصة بعد وفاة أبيها وسفر اثنين من اخوانها الى الخارج، حينها أحست سعاد بضرورة الخروج الى العمل والاعتماد على نفسها لتلبية احتياجاتها. مما رسخ فيها حب اثبات الذات و فرض كلمتها ، لان في اعتقادها أن من يصرف على البيت هو الذي يسيطر عليه.
بعد أن تزوجت سعاد توقفت عن العمل لفترة غير أنها عادت مجددا إلى العمل ، بالرغم ان زوجها كان يلبي كل احتياجات البيت ويرعى أبناءه بشكل مستمر.طول غياب سعاد عن بيتها لفترة طويلة في العمل خاصة بعد إنجابها للابن الأول ، خلق ارتباكا في علاقتها مع زوجها و جعلها تحس انه يريد أن يحرمها من ابنها لكون أمه هي التي تقوم برعاية الابن خلال غيابها . كما ان هذا الغياب كان واضحا حتى بعلاقتهما الحميمة ،اذ أصبحت تلاحظ انه يتكلم بالهاتف لساعات مع أشخاص لا تعرفهم هي . وبعد مجهود بسيط منها تاكدت انه يتكلم مع نساء يعرفهم خارج محيط الاسرة ،فتلك المحادثات يملأ من خلالها الزوج الفراغ الذي تتركه زوجته ،خاصة أنها لطول مدة عملها غالبا ما تأتي مرهقة ، فتهرع فقط لابنها وتأخذه في حضنها ، غير أن الطفل يتأقلم مع الشخص الذي يتواجد معه داخل البيت لفترة أطول وهي الجدة مما يؤجج غضب الأم ويزيد من حقدها على الأب .
بعد ولادة البنت الثانية قبل سنتين ، تكرر نفس الموقف فتضاعفت هواجس سعاد وتفاقم وضع الاسرة ، حيث أصبحت النزاعات اللفظية بين الزوج والزوجة ،في حين ظلت الجدة هي الراعي صمام الامان للاطفال لحسن الحظ. فكانت كل نزاعاتهم تدور حول الهاتف والمكالمات الغامضة متناسين المشكل الأهم .قررت سعاد الانفصال عن الزوج غيرما مرة ، غير أنها أخيرا ، وبعد نصيحة من أحد زميلاتها ، قامت بأخذ موعد لدى خبير في الإرشاد الأسري لمساعدتها على الخروج بالأسرة الىبر الأمان وتجاوز الحالة التي أصبحت تعيشها.بعد جلسة مع المرشد الاسري تحدثت خلالها سعاد بكل ما يخالجها من هواجس كانت بداخلها وعن مشاكلها مع زوجها ، وبعد تلقيها لعدة أسئلة من المرشد رجع بها إلى فترة طفولتها ، والبدايات الأولى للاسرة وعن دور الجدة وعلاقتها معها وكذا دور زوجها داخل الأسرة ، ومدى تلبيته لكل متطلبات البيت، سألها الخبير هل بامكانها ان تترك عملها لتعود باسرتها الى السلام والمحبة ، فأجابته أنها لا يمكنها أن تترك العمل لأنه هو السند الوحيد لها وأنه المامن من غدر الزمن،عند ذاك عكس المرشد الآية وسألها إن كان زوجها هو الذي يجلس مكانها فماذا سيكون قوله عنها، أجابت سعاد بشكل ادهش المرشد أنه سيقول انه ليس لديه مشكل معها باستثناء غيابها الطويل في عملها وافتقاده لها كزوجة مما يفتح الأبواب امامه لملء الفراغ بشكل غير طبيعي عبر مكالمات هاتفية تافهة . وأن خوفه على اطفاله هو الذي يجعله يوصي والدته بالاعتناء بهم حتى يضمن لهم التوازن النفسي. وان والدته حنون بطبعها مما جعل الأطفال يتعلقون بها أكثر .تأكدت سعاد بعد جلسة واحدة مع المرشد بأن عليها إعادة ترتيب أوراقها ومحاولة لم شمل أسرتها ، وأنه عليها أن تختار بين الدفء الأسرى ومصلحة الأبناء وبين إعادة تغيير نوع العمل إلى آخر يلائم حاجة ابنائها اليها . التضحية تعطي دائما أثمن الهدايا . فالله الف الأسرة من أب وأم ورزقهما الذرية وخلق لكل منهما دوره في الحياة ، فمنهم راع ومسؤول عن أسرته ومنهم مقصر ومسؤول لا محالة أيضا مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”الى اخر الحديثوهنا ايضا افتح قوسا واقول ما مدى تأثير المربية سعاد بمشاكلها النفسية المتراكمة من اكتئاب وعنف لفظي مع الزوج والابناء وخوف عليهم لحد الهوس مامدى تاثيرها في نفسية الاطفال الذين كانت تشرف على تربيتهم طيلة السنة؟ وما نصيب هؤلاء الصغار من اضطرابات ناتجة عن تأثرهم بسماتها وشخصيتها المضطربة ؟كيف لمؤسسة تربوية ان تعرض اطفالا في هذا السن الحساس الى ضغط نفسي مماثل ؟ وكيف للمؤسسة ان تقف على الاختيار الصحيح للمربيات ؟ان الرواىزوالمقاييس كثيرة اليوم لاختيار الاشخاص الانسب لولوج مثل هذه المهنة خاصة ان الهدف الاول والاخير هو التربية الصحيحة للبراعم الصغيرة التي هي عماد المجتمع ككل فرعاية هؤلاء بطرق تربوية صحيحة تعطي ثمارها في رسم شخصية الاطفال في المستقبل. وهنا ايضا يلعب المستشار الاسري الخبير دوره في اعطاء دورات بالغة الفعالية لهؤلاء المربيات ليتعلموا كيف يكونوا اكثر مرونة ونجاعة في مجال عملهم الحساس.

