
غالبا ما تبدأ جلسات الاستشارة الاسرية بكلمات كهذه : ” حاولت عدة مرات ان اكلمه عما يدور بداخلي ويحزنني في علاقتنا ولم يستمع الي” او ” التواصل بيننا أصبح منعدما فكل المشاكل التي تؤدي بنا الى الغضب نضعها تحت السجاد واصبحت احس بالوحدة ” فهذه كلمات يعبر بها احد الزوجين او كلاهما عن غياب التواصل أو نقصه في العلاقة الزوجية، فبعض الأزواج الذين لهم الجرأة الكافية لعيادة مستشار اسري يؤكدون ان الأمر ليس سهلا وانه يتطلب من الزوجين الجرأة والشجاعة لكليهما لبدء العلاج لأن هذه الخطوة لابد لها من استجماع القوة والارادة الفعلية للإصلاح، ولا يتعلق الأمر باي سن معين بل يتعلق فقط بالعزيمة والإرادة لدى الشريكين في تغيير الوضع الذي أصبحت عليه علاقتهما .ان مشكل غياب التواصل أو نقصه في العلاقة الزوجية يجعل الزواج متعبا ، حيث يسود الصمت والعزلة العاطفية عوض الدفى الذي كان من قبل ،كما تطغى مخططات التحاشي من كلا الطرفين لبعضهما والهروب وعدم المواجهة .والمشكل في الواقع ليس بدون حل بل يمكن للزوجين فقط اعادة فهم المشكل ، والحرص على إبقاء فتيل العلاقة الزوجية مشتعلا حتى لا يخفت الدفء العاطفي بينهما والحفاظ على الرباط الوثيق الذي يربطهما .إننا نحرص على تعلم كل شيء، ونتواصل مع كثير من الناس ، فلماذا لا نتعلم فن الحوار والتواصل مع الشخص الأكثر قربا منا وأكثر ارتباطا بنا. وبذلك نكون قد قمنا بجبر عملية التواصل مع الشريك من اجل اعادة الحميمية العاطفية والمشاركة وزخم المحبة الى علاقتنا فكل شريك من حقه أن يعبر ويكون مسموعا بل ويحس بالوجود الفعلي لشريكه من خلال مشاركة المشاعر الداخلية والعميقة مع الشريك ، إلا ان هذا يحتاج الى مجهود من كلا الطرفين ،فليس هناك سن معين لفعل ذلك او الشروع فيه ولكن تبقى العزيمة والارادة هما المحركين الأساسيين لهذه الخطوة الايجابية في حل المشكل.لعل إجراء حوار فعال بين شريكين ، يستدعي نوعا من الجهد وحيزا من الوقت والطاقة لذلك فلا بد للشريكين ان يحسنا اختيار الوقت المناسب للحديث مع بعضهما عن المشاكل والدواخل النفسية . وهذا ما ينصح به المستشار الأسري ، في مثل هذه المواقف حيث يركز على اعادة شرح المشكل الأصلي بين الشريكين ، بطريقة معرفية ويحاول تغييب الأفكار السلبية الخاطئة التي كان يؤمن بها كل شريك عن الشريك الآخر ، فغالبا ما يتبادر الى الزوجة مثلا انها كلما تحدث إليها زوجها فلا بد لها من الرد عليه بسرعة وهنا تحضرني مثل اجنبي يقول ” Il faut tourner la langue 10 fois dans la bouche avant de parler” او ان تدافع عن نفسها إذا قام الزوج بلومها . فدور المستشار الأسري هنا ان يقوم بوضع ميكانيزمات جديدة للحوار بينهما، من خلال تغيير طرق الكلام وطريقة الإنصات لبعضهما البعض ، حتى يتمكنا من خلق جو مناسب للنقاش وإعطاء حيز لكليهما في الاستماع والرد بحرية وفعالية بطرق هادئة. فالاستماع حينئذ من الزوجة لا يكون بهدف الرد على الزوج أو الدفاع عن النفس ولكن لفهم قصد ما قاله والإحساس به والخروج من دوامة البحث عن الحلول العاجلة والدفاعية، فعوض ان نكون اكثر استعدادا للرد نحاول ان نفهم ما يبوح به الشريك من نقائص تنغص عليه صفوه المعتاد ونخرج من الذاتية ونقدم للشريك التعاطف والفهم والحضور الفعلي . ليس من الضروري أبدا ان تكون مشاركة الشريك شفهية ، فبمجرد انك توقفت عن نشاط كنت تقوم به وأنت تسمع لشريكك او انك وضعت هاتفك جانبا واصغيت باهتمام له فهذا يعني الكثير ، لانه يحس انه أكثر اهمية مما كنت تقوم به وانك تحس بما يحس به .هناك أيضا تغيير طريقة الحديث بين الشريكين ، فحينما يتحدث أحد الشريكين لا بد ان يركز على صيغة المتكلم “انا ” لكي يعبر عن مشاعره ورغباته ويتجنب صيغة المتكلم “انت” التي تحيله على اللوم والعتاب والنقد. تكلموا ، عبروا و اطلبوا، عبروا عن رغباتكم وحاجاتكم ومشاعركم، ولا تبقوا الافكار بداخلكم ، فهذه هي الطريقة المثلى للتواصل بينكم وبين الشريك ، فالكلام ليس كلمات متقاطعة ولكن عبارات واضحة ومفهومة ومركزة ، يستطيع من خلالها الشريك أن يفهم المقصود دون عناء ، فهذا شكل من أشكال الجرأة والشجاعة ، فالمكنونات والدواخل إذا ما تراكمت تصبح عقبة أمامكم وتقوض توازن علاقتهم . بجودة الكلمة ووضوحها وتركيز المعنى، تفتح القلوب أمام بعضها وتؤسس الحميمية التي تهدى من الحياة الزوجية وتجعلها عشا سعيدا تسوده الثقة المتبادلة . وعلى المستشار الاسري ان ينصب على هذه الجوانب ويعمل عليها جاهدا لارجاع الروح لعلاقة طيبة تكاد تموت .
