
الحماية الزائدة وأثرها على الأطفال
الحماية الزائدة هي حمايةٌ مبالَغ فيها لا تعطي للطفل مساحة للتصرف أو التعرف على البيئة التي يعيش فيها، وتتضمن تدخلًا دائمًا في حياته وقراراته.
وخاصة ما يكون من الأم التي تشعر بأن طفلها سيتعرض للأذى في كل لحظة، ومن دون قصد تملأ نفس الطفل بأن هناك مئات من الأشياء غير المرئية في المجتمع تشكل خطرًا عليه. ومن ثَم يشعُر الطفل بالخوف، ويرى أن المكان الوحيد الذي يُمكن أن يشعر فيه بالأمان والاطمئنان هو بجوار أمِّه، لدرجة أن يخاف الوالدان عليه؛ حتى يحوِّلانه إلى كائن ساكن ليس لديه أيةُ مبادرات.
ومن مظاهر هذا الخوف، منعه من اللعب مع أقرانه، وإجباره على ارتداء ملابس كثيرة، إرغامه على تناول أطعمة معينة، وتدليله من خلال الاستجابة لجميع طلباته، ومعاملته طوال الوقت كطفلٍ رضيعٍ لا يستطيع الاعتمادَ على نفسه وتحمُّل المسؤولية.وهذا بدوره يمنع نموَّ شخصية الطفل، ويمنع الطفلَ من تحقيق الاستقلال الذاتي.
هذا الطفل يشعر بالخوف دائمًا، ولا يستطيع أن يَعبُرَ الطريقَ وحدَه، أو يستمتع بالجري أو اللعب أو السباحة في البحر؛ لأنه يتوقع في كل لحظة أن يُصاب بأذى، ويظل منطويًا خجولًا بعيدًا عن محاولة فعل أي شيءٍ خوفًا من إصابته بأي أذى.
فهُما لم يَسمحا له أن يخطئ، وإذا أخطأ حملوا عنه خطأَه، وفرَّ له الأبوان جميع ألوان الراحة والملهيات والأدوات الداعمة، وبين يديه السائق والخادمة…
من أساليب المعاملة الوالدية في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال .. الحماية الزائدة
أسلوب الحماية الزائدة Over protection style:
يتمثَّل الأسلوب في العناية المُفرِطة بالطفل، والمغالاة في حمايته، والمحافظة عليه، والخوف عليه، ويتضح ذلك في السماحِ له بكل الإشباعات، وتدليلِه بإفراطِ تشجيعِ الوالدين له؛ لزيادة الاعتماد عليهما، وهذه الحماية الزائدة تشمل ثلاثة أشكال؛ هي:
• الاتصال المفرط بالطفل.
• التدليل.
• منع الطفل من السلوك الاستقلالي.
كما أنه يتمثَّل في شعور الأبناء بأن الوالدَ أو الوالدة يجعلُه مركز عنايته الشديدَ بالمنزل، ويودُّ لو أنه بَقِي معه يَعتَنِي به، ويحمل عنه همًّا لا يستطيعُ أن يحمله، ويحاول أن يقوم بدلاً منه بكلِّ ما ينبغي عمله، ويقلق عليه كلما خرج، ولا يطمئن إلا بعد عودته إلى المنزل، ولا يتركه يذهب إلى بعض الأماكن خوفًا عليه من حدوث شيء يُؤذِيه.
كذلك يتمثَّل أسلوبُ الحماية الوالدية الزائدة في فرطِ الاتصال المادي بين الوالد وصغيره، واستطالة رعاية طفولته، أو منع نموِّ اعتماده أو تعويله على نفسه، ثم فرط تحكُّم الوالد أو رقابته، ولا يسمح الآباء المبالغون في الحماية لأي فردٍ أن يتدخَّل في واجباتهم الأبوية.
كما يؤكِّد الآباء في هذا الاتجاه حبَّهم للطفل، لكن تصرفاتهم والمبالغة في الحماية له والمشوبة بالقلق؛ قد لا تعكس ذلك، والخطاب الذي قد يَفهَمُه الطفل هنا أن أمَّك أو أباك لا يثقانِ بك، إنهما يعتقدان أنك لا تستطيع الإنجاز بمفردك.
ونجدُ أن بعض الآباء يتخذون من الأساليب اللازمة لوقايتهم من المرض، كما نجدهم ينتابهم القلق والضيق – الذي يصل إلى حدِّ الفزع والخوف – حول وقاية أبنائهم من الأخطار، وسلامتهم منها، ونجدُهم يخافون من عدمِ قدرة أبنائهم على الدفاع عن أنفسهم ضد الأطفال الآخرين، كما يَمِيل بعض الآباء إلى اتباع بعض النُّظُم القياسية في النظافة، واتباع القواعد الصحية مع أبنائهم إلى درجة بعيدة.
ومثل هذه الأسرة – لخوفِها الشديد على الطفل من أي مكروه – تريده أن يأكل ما لا يحبه؛ لأنه سيغذِّيه، أو يأكل كميات من الطعام أكثر مما يحتاج، أو يلبَس أكثر مما يحتمل حتى لا يصاب بالبرد، وتريده ألا يجري أو يلعبَ كغيره من الأطفال، حتى لا يقع أو يجرح، وعندما يذهب إلى المدرسة غالبًا ما تُرَافِقُه الأم مهما كانت سنُّه، وأينما كان موقع المدرسة بالنسبة للمنزل، وحينما يعود تكتب له واجباته حتى لا يتعب، أو تقرأ له حتى لا تتعب عيناه، وتدافع عنه عند مدرِّس الفصل حتى لو أخطأ.
إن كثيرًا من الآباء لا يعرفون كمية العناية والحماية المطلوبة للطفل؛ فهم يعتقدون أن الطفلَ يتطلَّب حماية زائدة؛ ولذلك فهم يمنحونه من الوقت والجهد والنفقة المالية والمحبة الزائدة ما قد لا يكون هو في حاجة إليه، وغالبًا ما يلجأ الوالدانِ إلى المبالغة في الاهتمام بالطفل، والإفراط في العاطفة نحوه، والخوف والشفقة عليه بقصد وقايته وحمايته؛ مما يؤدِّي هذا إلى العديد من المشكلات والصعوبات التي تقيده، بدلاً من إطلاق حريته، أو الإسراع في دفعه نحو الاستقلال، والثقة، والاعتماد على النفس؛ مما يؤدِّي في بعض الأحيان بالطفل إلى الأنانية والعناد الزائد الذي يكون من الآثار المباشرة للعطف والشفقة على الطفل.
وعلى الرغم من أن الحماية الزائدة مغلَّفة بالمحبة، فإنها اتجاهٌ سلبي؛ حيث إن المبالغة في أي شيء أمرٌ غير مرغوب، وهذا الاتجاه خليطٌ من التشدد والحنان والعطف، الذي يكون الطفل المعوق محوره، وكثير من الأولاد يرفضون هذه الحماية الزائدة، ويشعرون بأنهم ليسوا عاجزين إلى هذا الحد الذي يتصوره ذَوُوهم؛ ولذا يناضلون للتخلُّص من ذلك لتحقيق الاستقلال.
باختصار يلجأ الوالدان إلى هذا الأسلوب لعدة أسباب، ومنها:
• إذا كان الطفل وحيدًا.
• الإنجاب بعد فترة زمنية طويلة من الزواج.
• الولد الوحيد بين بنات، أو العكس.
• الجهل بأساليب التربية الصحيحة.
• قد يكون الوالدان تلقَّوْا في طفولتهم الأسلوب نفسَه في التربية.
• مَرِضَ الطفل مرضًا مزمنًا.
لذا اترُكه يعيش حياته الطبيعية، دعه يُخطئ ويتعلم من خطئه، وفر له الحماية التي تحفَظه من الأخطار فقط.
وللحماية الزائدة تأثير سلبي على الطفل في كافة المستويات، ومن تلك التأثيرات:
• عدم تقدير مشاعر الآخرين، بل دائمًا يتوقع المزيدَ منهم دون إعطاء المقابل.
• تنمية الطباع السيئة، سواء كانت تلك الطباع غرورًا، أو عدوانية أو أنانية، ويصبح طفلًا اعتماديًّا غير مسؤول، وقد يتنمر على الآخرين.
• الكسل: عندما تؤدي الام كل المهام والوظائف بالنيابة عنه، قد يعتاد الطفل ذلك مع نموِّه . ويصبح شخصًا كسولًا اعتماديًّا على غيره .
• لا يعترف بأخطائه، ولا يعتذر عنها، فهذا يجعل منه شخصية غير مبالية لا تعترف بأخطائها ولا تعتذر عنها.
• تدنِّي احترام الذات: إن الطفل الذي عانى من الحماية المفرطة، ينضج وهو يعاني من تدني احترام وتقدير الذات، وقد يفتقر إلى المرونة والثقة الضروريتين لمواجهة العالم، وذلك بسبب الرسالة التي يتم توجيهُها للطفل دائمًا بأنه غير مؤهَّل بما يكفي لإدارة حياته بنفسه.