
مفهوم الأسرة في علم الاجتماع
لقد جاء في معاجم علم الاجتماع في تعريفاتهم للأسرة، أو بعبارة أخرى في تعريفهم لما يُسمّى مفهوم الأسرة في علم الاجتماع أنّها عبارة عن جملة من الأفراد يرتبطون معًا برابطة الدم أو رابطة الزواج حيث يتفاعلون معًا على ذلك الأساس، وقالوا كذلك في مفهوم الأسرة في علم الاجتماع إنّها رجل وامرأة -أو أكثر- يرتبطون معًا برابطة القرابة أو علاقات وثيقة أخرى؛ إذ يشعر الأفراد البالغين فيها بمسؤوليتهم نحو الأطفال سواء كان هؤلاء الأطفال أبناءهم بالتبني أم أبناءهم الطبيعيين.
وقال بعض الباحثون في علم الاجتماع كذلك إنّ الأسرة هي أوّل وسطٍ طبيعيٍّ واجتماعيٍّ للفرد، فتقوم على مصطلحات يرتضيها العقل الجماعيّ، وقواعد تختارها المجتمعات، وهذا بالنسبة للباحثين العرب في علم الاجتماع، وأمّا الغرب فلهم تعريفات كثيرة منها أنّ الأسرة هي جماعة تتمتّع بصفة استمرارية تتكون من الزوج والزوجة مع وجود أطفال أو بدونهم، أو بوجود رجل بمفرده أو امرأة بمفردها مع وجود أطفال، بينما يعرّفها المعجم النقدي لعلم الاجتماع بأنّها “الهيئة التي تميز الحياة الإنسانية التي لا يمكن تفسير أيّ هيئة أخرى بدون الرجوع إليها؛ كونها تمثل نواة المجتمع، وتتألف من مجموعة أفراد يتقاسمون الأدوار فيما بينهم”، وممّا سبق يمكن القول إنّ للأسرة شروطًا يجب أن تتوفّر فيها لتحمل اسم الأسرة، ومن تلك الشروط:
- وجود رابطة الزواج بين أفرادها.
- وجود سكن مشترك يجمع أفراد الأسرة.
- وجود علاقات يقرّها المجتمع بين أفرادها سواء كانت اجتماعيّة أم جنسيّة.
ما أهمية الأسرة في المجتمع؟

بعد الوقوف على مفهوم الأسرة في علم الاجتماع يقف المقال مع حديث حول أهميّة الأسرة في المجتمع، والمجتمع كلمة تُطلق على تجمّع بشريّ مكوّن من عدّة أُسَرٍ، وتكون الأسرة فيه هي اللبنة الأساسيّة التي يقوم عليها بناؤه، وإنّ قوّة المجتمع وضعفه مرهون بقوّة الأسرة وتماسكها أو ضعفها ضمن بنيان المجتمع الشامل، وتبدو أهميّة الأسرة في المجتمع من خلال عدّة أمور، ومن مميزات وجود الأسرة:
- تلبية الحاجات الفطرية والضرورات البشرية التي تكون موافقة لطبيعة الحياة الإنسانيّة، ومن ذلك: إشباع الرغبة الفطرية والميل الغريزي لأحد الزوجين في أن يكون له ذريّة ونسل، أو إشباع الحاجات الغريزية في الرجل أو المرأة، وكذلك إشباع الحاجات الروحية والعاطفية والجسمية لأفراد الأسرة.
- تحقيق معنى التكافل الاجتماعي ومعانٍ اجتماعيّة أخرى لا يمكن تحقيقها من دون وجود الأسرة؛ كحفظ النسب، والحفاظ على المجتمع من الآفات والأمراض الجسدية والنفسية.
- غرس الأخلاق الحميدة والخصال الفاضلة في نفوس أفرادها، وبالتالي في نفوس المجتمع كاملًا.
- تحقيق غرض الرحمة والمودة بين أفرادها للوصول إلى مجتمع متماسك.
- وضع الضمانات التي تجعلها الأساس الصالح والتربة الخصبة الطيبة التي تعطي المجتمع مقوماته كاملة.
- إشباع النزوع الوجداني إلى السكن والسكينة والأمن عند أفراد هذا المجتمع.
- زرع بذرة التواضع والخضوع للوالدين منذ الطفولة عند أفراد المجتمع.
ما هي ركائز الأسرة الناجحة؟
لا بدّ من التحدث عن ركائز الأسرة الناجحة، أو بعبارة أخرى مقومات الأسرة الناجحة؛ بمعنى الأمور التي تكوّن عماد الأسرة الناجحة، وقبل ذلك يمكن القول إنّ العلاقة بين الأسرة والمجتمع ينبغي لها أن تكون كعلاقة الفرد وأسرته؛ فكما أنّ الفرد ينبغي له أن يعمل لصالح أسرته التي ينتمي لها، فالأسرة أيضًا عليها أن تكون عنصرًا فاعلًا في المجتمع، ولا تخلّ بأنظمته ولا قوانينه، بل عليها أن يكون لها دورٌ فاعلٌ في المجتمع من حيث رفعته ورقيّه.
ومن الرّكائز التي تُبنى عليها الأسرة الناجحة:
الالتزام بأداء الحقوق والواجبات: ويندرج تحت هذا البند عددًا من المعاني الإنسانيّة كالوفاء والتضحية والإخلاص والصدق والأمانة، وأفراد الأسرة السعيدة يضعون أُسَرَهم في المقام الأوّل، ويُظهرون إحساسًا أكبر بالمسؤولية؛ ولذلك فإنّهم يُعطون أُسَرَهم وقتًا وجهدًا أكبر من غيرها، وليس معنى ذلك ألّا يكون المرء حرًّا؛ فحريّة المرء الشخصيّة شيء وإحساسه بأنّ أسرتَه جزءٌ منه هو شيءٌ آخر.
التواصل الإيجابي: فالتواصل من العوامل التي تساهم في نجاح العلاقات الزوجية بين الأفراد، وهو كذلك يُشعِر أفراده بالرضا والإشباع، ويجعل العلاقة بين أفراد الأسرة يسِرة ومرِنة، وكذلك يجعل العلاقات مترابطة أكثر وقوية أكثر ويمكنها مواجهة الخلافات والضغوطات التي تحيط بالحياة الأسرية، ومن أشكال التواصل الإيجابي:
- المشاركة الروحية.
- المشاركة الوجدانية.
- المشاركة الفكرية.
- المشاركة الاجتماعية.
قضاء الوقت بين الأفراد: ومن ذلك قضاء الإجازات معًا وعُطَل نهاية الأسبوع، والاستمتاع بالوقت الذي تكون فيه الأسرة معًا.
التوافق الروحي: ومن ذلك القيم الروحية التي تجعل الروابط الأُسَريّة مترابطة أكثر؛ إذ هي ليست روابط ماديّة فقط، بل روابط روحية أيضًا.
القدرة على مواجهة الضغوط النفسية: فالأُسَر الناجحة ليست التي لا تمتلك مشكلات، وإنّما الأُسَر الناجحة هي التي تمتلك القدرة على مواجهة تلك الصعاب، وكذلك عندها القدرة على منع المشكلة قبل حدوثها، وإن حدثت المشكلة ووقعت فإنّها تحاول التخفيف من الأضرار المترتبة عليها؛ وذلك لأنّ عندها القدرة على مواجهة الصعاب بتأنٍّ وهدوء من دون قلق وتوتّر.
المحبة والتقدير: ومعنى ذلك هو إظهار المحبة والتقدير لأفراد الأسرة وكذلك لأفراد المجتمع؛ وذلك ليشعر كلّ فرد فيها بالتقدير اللازم الذي يرضيه من أسرته ومن المجتمع المحيط.
وظائف الأسرة :
تعدد وظائف الأسرة وتنوعت خاصة في المجتمع الحديث ، وإن كانت تؤكد تحليلات علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا علي أن طبيعة وجود الأسرة كنظام اجتماعي له مجموعة من الوظائف التي تؤديها للأفراد حتى تشبع رغباتهم وحاجاتهم الأساسية وهذا ما جعل البعض يطلق علي الأسرة بأنها نظام اجتماعي متعدد الوظائف كما جاء في التحديد في كتابات G.Murdock .
ويمكن إبراز أهم وظائف الأسرة فيما يلي :
1-الوظيفة الجنسية :
الأسرة هي النظام الرئيسي ، والمجال المشروع اجتماعيا ليشبع الفرد رغباته الجنسية بصورة يقرها المجتمع ويتقبلها أي وفق قواعد تمثل في جملتها تنظيمات اجتماعية تتحكم في العادات والتقاليد .
2-وظيفة الإنجاب والتكاثر :
تقوم الأسرة بإنجاب الأطفال ، وهم الوحدات البشرية التي يقوم عليها المجتمع ، مما يضمن للمجتمع نموه واستمراره .
3- التربوية :
تلعب الأسرة دوراً هاما في عملية التنشئة الاجتماعية أو ما يعرف بالتدريب غير الرسمي للأطفال علي تبني أنماط السلوك ” والتنشئة الاجتماعية هي عملية إكساب الفرد شخصيته في المجتمع لمساعدته علي تنمية سلوكه الاجتماعي الذي يضمن له القدرة علي استجابات الآخرين وإدراك أهمية المسؤولية الاجتماعية .
4-الوظيفة الاقتصادية :
يمكن القول ان الأسرة جماعة اجتماعية مسؤولة عن توفير الحاجات المادية لأفرادها ، وكانت الأسرة فيما مضي تمثل وحدة اقتصادية إنتاجية مكتفية بذاتها ، أما في الوقت الراهن ونتيجة للتطور في وسائل الانتاج أصبحت الأسرة تمثل وحدة استهلاكية بسبب التغيير الاجتماعي الذي طرأ علي الأسرة ، الناتج عن التقدم العلمي والتكنولوجي ، بحيث أصبحت الوظيفة الاقتصادية المتمثلة في الإنتاج والتوزيع من وظائف المنظمات المتخصصة ، وكذلك الشأن بالنسبة للميادين الصحية والتربوية والترفيهية ، مما جعل الأسرة تتحول من وحدة إنتاجية إلى وحدة إستهلاكية .
ومن هذا المنظور فإن الأسرة تحتل مكانة اجتماعية وتربوية باعتبارها جماعة أولية تشكل منطلقا للحياة الاجتماعية وتعد فضاء يتلقي فيه أفرادها مبادئ وأصول العلاقات الإنسانية والتنشئة الاجتماعية ، ومن هنا يكتسب الأفراد أدوارهم الأولية ، باعتبارهم أعضاء في أسر ، وبالتالي فإن الأسرة تساهم في خلق المراكز الاجتماعية كالجنس ، الاسم ، الدين وغيرها .